الحزب الوطنى الاخوانى المتاسلم - فاحذروة
د/ طارق الغزالى حرب
2011/10/31
لم تصدمنى تلك التصريحات التى جاءت بالصفحة الأولى لصحيفة «المصرى اليوم» منذ أيام قليلة، التى صدرت فى مؤتمر بالإسكندرية لحزب جماعة الإخوان، عن أحد قيادات هذا الحزب المُرشح على رأس إحدى قوائمه، وهو محامٍ لم يسمع باسمه أحد قبل الثورة وأثناءها، إلى أن أتحفنا به المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليكون اسمه ضمن اللجنة التى اختاروها لوضع بعض تعديلات دستورية، كان الاستفتاء عليها بتعجل ودون دقة ولا تفصيل بمثابة الخطيئة الأولى التى جرى وراءها سيل الخطايا والأزمات التى أوصلتنا إلى الحالة المُزرية والمُتردية التى يشعر بها كل مصرى وطنضمنت تصريحات ذلك المحامى الذى كان مغموراً ثم شهره الإعلام الحكومى والخاص قوله- بكل الثقة- إن حزبه سيشكل الحكومة القادمة وإنهم سوف يُديرون مصر بطريقتهم! وقال- لا فض الله فاه- إن جماعته انتقلت بعد الثورة من مرحلة تحدى حماية الدعوة إلى تحدى حماية الدولة! وإن الإخوان المسلمين هم الفصيل الإسلامى الوحيد الذى احترف العمل السياسى (لاحظ لفظ احترف هذا)، ولَخص عقيدته السياسية فقال بنص تصريحاته العامية التى يُدغدغ بها مشاعر البسطاء والأميين والجهلاء: «إن مصر دولة إسلامية، ومِش هانبيع دينا علشان نروح المجلس.. يتحرق المجلس.. إحنا عاوزين الجنة» كلمات لو كان فى هذا البلد رجل يحترم كلمته ووعوده بأنه لن يُسمح باستخدام الشعارات الدينية فى الدعاية السياسية، لتم شطب اسم هذا المحامى فوراً من قوائم المُرشحين. مما صدر أيضاً عن هذا القطب الإخوانى فى هذا الاجتماع ويهمنى بشكل شخصى هو قوله: «ولو فكر أحد فى إقصاء الإخوان أو تهميشهم أو القفز عليهم يبقى بيلعب بالنار، واللى بيلعب بالنار هاتحرقه»! مبعث اهتمامى الشخصى بهذه الكلمات هو أننى قد خُضت فى الأسابيع الماضية تجربة مع هذه الجماعة وأعوانها فى انتخابات نقابة الأطباء. وأعترف أننى حاولت فعلا إقصاءهم عن السيطرة على تلك النقابة التى دامت أكثر من ربع قرنٍ من الزمان، سَخروا فيها هذه النقابة المهنية العريقة لخدمة أهدافهم السياسية المحلية، وتوسيع دوائر نشاطاتهم بالمشاركة الإعلامية واللوجيستية لجميع الحركات الإسلامية فى العالم التى تتفق معهم فى مشروعهم السياسى فقط، وأهملوا تماماً دورهم الأهم فى الدفاع عن كرامة الأطباء وحقوقهم التى أُهدرت إلى درجة مُخزية فى ظل بقائهم الطويل، لذلك لم أعبأ كثيراً بتلك التحذيرات التى كنت أسمعها دوماً عن مُجابهة هذه الجماعة التى احترفت (على رأى المحامى المذكور) العمل السياسى بالطريقة الميكيافيللية وتكتيكات الانتخابات والأساليب المُخادعة بل والقذرة أحياناً للوصول إلى أهدافهم، وعلى رأس ذلك بالطبع الاستغلال البشِع للعواطف الدينية كأبشع ما يكون الاستغلال، وجعل المنافسة بينهم- وهم الفاشلون- وبين غيرهم منافسة بين الحلال والحرام أو بين الجنة والنار! كنت أراهن على أن الحلال بَيّن والحرام بَيّن، وأن الأطباء هم فئة من المتعلمين تعليماً راقياً وبالتالى يعرفون مصلحتهم، وأن حتى غُلاة المتدينين منهم وبعض أعضاء الجماعة سيختارون الأصلح والأنسب لهم فى هذه المرحلة على أمل تحسين أوضاعهم المتدهورة، وأن اختيارهم هو من باب شهادة الحق التى سيحاسبهم عليها المُطلع على خبايا القلوب.. ولكنى تبينت بعد ذلك أن عمليات «غسيل المخ» التى يقوم بها أقطاب هذه الجماعة وكوادرها من غير المنتمين للمهنة، أفلحت- إلى حد كبير- مع أجيال وُلدت وترعرعت فى عصر مبارك الذى شهد أشد عصور الانحطاط التعليمى والفكرى والثقافى، مما يَسهُل معه عمليات «غسيل المخ» التى يقوم بها شياطينهم منذ سنوات. قامت تلك الجماعة السياسية المتأسلمة بحشد أعضائها من الأطباء وراء اسم نقيب اختاروه بعناية، فهو رجل مُسِن له مكانته الأكاديمية والمهنية كطبيب قلب شهير له مرضاه وتلاميذه الذين يُقدرونه- وهو يستحق ذلك فعلا- ولكنه بعيد كل البعد عما كان يجرى بالنقابة وعن قضايا الأطباء ومشاكلهم بل وعن قضايا الوطن بصفة عامة بحكم انشغاله بعمله الخاص، وحظى ذلك الاختيار برضا النقيب السابق د.حمدى السيد، أحد أقطاب الحزب الوطنى المُنحل، بدأ مُخطط تنفيذ هذه العملية منذ شهور عديدة، واستمر تحت غطاء أنهم يتبعون قانون النقابة الموضوع عام ١٩٦٩، حينما كان عدد الأطباء لا يتعدى السبعة آلاف فى حين أن عددهم وصل اليوم لحوالى المائتين وثلاثة وعشرين ألفاً.. وعندما تسألهم: ولماذا لم تنتبهوا إلى تغيير هذا القانون طوال سنوات بقائكم فى النقابة؟ لا تجد منهم إجابة، ولكن الحقيقة التى يعلمها الجميع أن تغيير هذا القانون بحيث يسمح بتعدد المقار الانتخابية أو إجراء الانتخابات على عدة أيام بما يتيح للعدد الأكبر من الأطباء المشاركة فى الاختيار، وبما يسمح بتشكيل لجنة محايدة تضم شخصيات لها احترامها من خارج النقابة للإشراف على الانتخابات، وكذلك الموظفون المشاركون فى العملية الانتخابية وبما يؤكد وجود مندوبين لجميع المرشحين أثناء فرز الأصوات- وهذا كله افتقدناه فى الانتخابات الأخيرة بدعوى أنه غير موجود بالقانون- كان سيكون كفيلا بإظهار الحجم الحقيقى لهذه الجماعة التى تدعى غلبتها وأن صناديق الانتخابات هى التى تأتى بها! لقد تمت الانتخابات الأخيرة تحت رئاسة لجنة جميعها من الكوادر الإخوانية، قام بتشكيلها مجلس النقابة السابق وعلى رأسه النقيب محترف الانتخابات كما وصف هو نفسه، خِريج مدرسة الحزب الوطنى التى لم تكن تجيد شيئاً مثل تعليم مختلف وسائل التلاعب والتزوير فى هذا الأمر لكوادره وكيفية فرض مُرشحيه، ووقفت هذه اللجنة ورئيسها أمام أى اقتراحات يمكن أن تتيح الفرصة للعدد الأكبر من الأطباء للإدلاء بأصواتهم وتسهيل العملية الانتخابية، فأصرت مثلا على ضرورة كتابة الأسماء كاملة فى الاستمارة التى يحدد فيها الناخب اختياراته (وهى بالمناسبة ثمانى استمارات) بديلا عن التأشير لإطالة الوقت والإقلال من عدد الناخبين بعد أن أقنعت اللجنة القضائية المشرفة أن التأشير مخالف للقانون الذى يتمسكون به، وأرسلوا إلى مقار التصويت أقل عدد ممكن من الموظفين التابعين لهم (أقل من ٢٠% من العدد الذى طلبه القاضى المشرف على العملية الانتخابية).. كل هذا لهدف واحد يعرفون تماماً أنه مفتاح انتصارهم الوهمى وهو إعاقة العدد الأكبر من الأطباء من التصويت، والمراهنة على حالة الزهق التى تصيب الذين ينتظرون طويلا فى الحر والزحام فيذهبون، لتبقى الفرصة سانحة أمام تلك القِلة التى تم إجراء «غسيل مخ» لها، وتعتبر أن المشاركة فى إنجاح هذه الترتيبات غير الأخلاقية جهاد فى سبيل الله! المجال لا يتسع لسرد العديد من المخالفات التى شابت هذه الانتخابات مثلما حدث فى محافظة قنا من تعمد عدم إرسال ورقة انتخاب النقيب لمعرفتهم أنه لا قائمة للإخوان هناك والطلب من الأطباء الحضور فى اليوم التالى لانتخاب النقيب مع تصريحات كاذبة لرئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات بأن النقيب الذى تؤيده الجماعة قد حصل على ٨٠% من الأصوات عقب غلق باب التصويت بساعتين والإعلان عن هذا فى صحف صباح اليوم التالى حتى يُحجم أطباء قنا عن الذهاب للانتخاب وهو ما حدث بالفعل، وإجراء الفرز فى الغالبية العظمى من اللجان بدون وجود مندوبين للمرشحين، وقيام موظفيهم داخل اللجان بإضافة بطاقات إلى بعض الصناديق التى تشهد تقدماً للتيارات الأخرى فيقوم القضاة- الذين كان عددهم قليلا وجعل إشرافهم صورياً إلى درجة كبيرة- بإلغائها، وغير ذلك كثير. أخلص فى النهاية إلى أننا أمام جماعة وحزب يتبع نفس أساليب الحزب الوطنى الذى فرض الشعب العظيم قرار حله وأحرق مقاره بعد أن ضاق ذرعاً من أساليبه الفاجرة.. لقد كان الحزب الوطنى الفاشى يدعى دوماً أنه مستمر وجاثم على صدورنا عن طريق صندوق الانتخابات، وكانت تكتيكاته تعتمد بالدرجة الأولى على منع العدد الأكبر من الناخبين من الوصول إلى الصناديق بكل طرق التحايل الممكنة مهما كان فُجرها، وكان يصر على الاستمرار فى إدارة الدولة على الرغم من فشله وفساده.. والآن وبعد السقوط المدوى لهذا الحزب، يبرز على الساحة من يرث أساليبه وتكتيكاته، ويصر على أن يستمر ويقود حتى ولو كان الفشل هو خلاصة تجربته، كما كان الحال فى نقابة الأطباء، لايهمنى الآن على الإطلاق نتيجة انتخابات النقابة ولا ماذا سيحمل المستقبل لأطباء مصر على يد نقابة هى امتداد لسابقتها بل وربما تكون أسوأ، وأعترف بتقصيرى فى بذل الجهد المطلوب لمواجهة تكتيكات هذه الجماعة ظناً منى أنه فى النهاية لن يصح إلا الصحيح وأنه لايجوز القتال على منصب تطوعى تقدمت إليه تلبية لرغبة الآلاف من الزملاء الأطباء الذين منحونى بالفعل ثقتهم التى أشكرهم عليها، ولكننى الآن مهموم بما سوف يحدث فى الانتخابات البرلمانية التى نحن على أبوابها.. إن هذا هو ما دفعنى إلى سرد حكاية انتخابات نقابة الأطباء ليأخذ الحذر والعبرة أبناء الشعب المصرى الأبى فى كل مكان.. وليعلموا أن الحزب الوطنى الفاسد والجماعة المتأسلمة وجهان لعملة واحدة هى الاستبداد، وليس هناك فرق بين الفاشية السياسية والدينية، فكلاهما أبعد مايكون عن فكرة تداول السلطة ومبادئ الديمقراطية المُتعارف عليها فى كل الدول المحترمة والمُتقدمة، وبالتالى فهم لا يعرفون- أو بالأحرى ليس فى قاموسهم- عبارة «الانتخابات النظيفة» التى يعرفها المُتحضرون فى كل مكانٍ فى العالم.. فاحذروا بنى الوطن الذين فجرتم أعظم ثورة فى التاريخ وضحيتم من أجل أن تسود على أرضكم تلك المبادئ السامية والقيم العليا والأهداف النبيلة فى الحرية والكرامة والعدالة.. احذروا هذا الحزب الوطنى الإخوانى المُتأسلم |
زار قطر و ألقى فيها محاضرة بعنوان"منزلة السنة في الإسلام".
