من غياب الدولة إلى غيبوبة الدولة
10-3-2013 | 18:56
منى ياسين
كل محاولات الفهم تبوء بالفشل وأي تحليل للموقف لا يصمد إلا سويعات ثم يثبت خطؤه لا بفعل خطأ القراءة وسوء التقدير ولكن بتأثير التضارب الصارخ في المواقف والتسارع المحموم للأحداث والقرارات ونقيضها.
هل يعقل أن الجميع عدا الرئيس ومستشاريه القانونيين كان يدرك أن قانون الانتخابات بالصورة التي خرج بها والخطوات التي مر فيها كان مصيره سيؤول آجلاً أم عاجلاً إلى السقوط وإسقاط الانتخابات التي ستتمخض عنه إن طعن عليها طاعن؟ ألم يجل هذا الاحتمال بخاطر أحدهم أم أنه كان حاضراً ولم يأبه احد لفكرة المضي في اعتماد قانون قابل للطعن عليه؟
جيد أن الحكم بإعادة القانون إلى المحكمة الدستورية وإلغاء قرار الرئيس بدعوة الناخبين للإنتخاب قد استبق إجراء الانتخابات وإنفاق الوقت والجهد والمال عليها- بصرف النظر عن حقيقة أن هذه العناصر الثلاثة صارت الأهون شأنا وقيمة والأقل تقديراً بين الجموع حكاماً ومحكومين.
وجيد أيضاً أن انصياع المؤسسة الحاكمة لحكم القضاء الإداري جاء فورياً ومباشراً دون تسويف اومكابرة من تلك التي لا ينجم عنها في العادة إلا تأمين مزيد من الوقود للنيران المشتعلة في أركان كثيرة من ربوع الوطن المنكوب، ثم النزول على ما ليس منه بد.
أما ماليس بجيد فهو استمرار الوضع الذي أفرز القانون والقنوات التي سار فيها والظروف التي دفعت كل الأطراف إلى اتخاذ قرارات خاطئة بناءً على حسابات مرتبكة.
أن يعود القانون إلى المحكمة الدستورية للتأكد من أن كل ملاحظاتها قد اخذت في الحسبان لايعني بالضرورة أن القانون سيكون مصيره الإبطال. ولو صدق مجلس الشورى في أنه تحرى تطبيق كافة الملاحظات واتخاذ التعديلات اللازمة فالمتوقع ألا يستغرق الأمر طويلاً- حتى مع اضطرار الشورى إلى استكمال النواقص في القانون- قبل ان نجد أنفسنا مرة أخرى في مواجهة مع الواقع ذاته بنفس معضلاته؛ استحقاق انتخابي يدفع طرف في طريق إتمامه أياً كانت الظروف ويسعى طرف بكل ما أوتي من قوة لإيقافه لحين تغير الموقف.
يرى الطرفان في قرار القضاء الإداري فرصة لإعادة ترتيب أوراقه وتنظيم صفوفه كي يخوض الانتخابات في ظروف شبه صحية. هذا صحيح ربما فقط إلى الحد الذي يجيد فيه كل طرف التعامل مع عنصر الوقت المحدود وحشذ قدراته المكبلة. ولكن هل تكفي الأشهر التي أتاحها القرار لتهدئة الشارع الذي خرج عن كل عقال؟ الشاهد ان الشارع لا يأبه حقاً إن كان هذا الطرف أو ذاك مستعد بما يكفي لخوض الانتخابات والفوز فيها. بات للشارع آلياته ودوافعه وحساباته منها ما هو منطقي ومشروع ومنها ما يصعب فهمه أو التعاطف معه لكنه قائم ومؤثر وفاعل في ظل حالة الاختفاء المتعمد للدولة وأجهزتها أو تهافت وجودها بدرجة تسهم في تأزيم الأمور عوضاً عن حلها.
الاوضاع في بورسعيد والمنصورة والاسكندرية وقصر النيل تغني عن الإسهاب. والأقسام التي تغلق أبوابها بالعشرات في وقت يتصاعد فيها لهيب المواجهات لعنان السماء دليل قاطع على غيبوبة الدولة. وتزايد الاعتماد على الجيش وتسليمه زمام الأمور بالكامل في بورسعيد مؤشر على تآكل الأذرع المدنية للدولة وعجزها عن الحركة وافتقادها للتأثير. والدعوة – اليائسة أو الماكرة – لاستحضار الجيش للساحة السياسية لها أكثر من مغزى، من بينها ما قد يفسر بأنه دعوة للاستغناء التام عن فكرة الانتخابات والاستعاضة عنها بالعسكرة. هي فكرة بعيدة عن التطبيق ولايمكن للجيش الانجرار لها بيد أنها تنبئ عن نمط تفكير يعتمل في عقول قطاع من الشعب يشتط في التعبير عن رفضه لما هو قائم وخوفه مما هو مقبل في ظل استمرار الأوضاع على ما هي عليه من فوضى.
كنا نظن أن إجراء الانتخابات قد يكون جزءاً من الحل من حيث إسهامه في تطبيع الأجواء وتهدئة التوتر. فوحدها الانتخابات تكون عادة القادرة على إفراز مجلس نيابي مختلف ومن ثم حكومة جديدة أقرب لحكومة توافق وطني. غير أن الانتخابات- شأن كل شئ في مصر الآن – صارت ازمة في حد ذاتها يؤججها الإصرار على تشويه آلياتها وتسميم الأجواء المحيطة بها من جانب والسعي لإفقادها شرعيتها بالعزوف عنها من جانب آخر .
إلى اي مدى يمكن لتأجيل الانتخابات أن يقنع الجميع باغتنام الفرصة لتصحيح المسار والسلوكيات والأداء السياسي ؟ ام يمر القرار كأنه هدنة رتبها القضاء لالتقاط الأنفاس ثم استئناف ما بدأه كل فصيل دون تغيير حقيقي؟
متى نفيق ونخرج بأنفسنا وبالدولة من الغيبوبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق